أخبارفنون عربية

دراما رمضان تحت المجهر.. هل نجحت المسلسلات في اقتباس الروايات والتاريخ؟

تابع الجمهور خلال شهر رمضان، عشرات المسلسلات، بعضها اعتمد على أصل تاريخي مثل “الحشّاشين”، وبعضها الآخر اقتبس من قصص وروايات معروفة مثل “إمبراطورية ميم”، عن قصّة لإحسان عبد القدوس، فضلاً عن “عتبات البهجة”، عن رواية بالعنوان ذاته لإبراهيم عبد المجيد، و”ألف ليلة وليلة” في مسلسل “جودر”.

ومن بين مسلسلات رمضان 2024 أيضاً، تلك التي استلهمت بشكل غير مباشر إبداعات عالمية، مثل “الكونت دي مونت كريستو”، ومسرحية “أوديب”. فهل حقاً أضافت النصوص الإبداعية والتاريخية للدراما التلفزيونية، أم فشلت المسلسلات في تقديمها؟

“انحياز للنص”

ينحاز الأكاديمي المصري نادر الرفاعي للنص الأدبي، برغم أن الشاشة تلجأ دائماً إلى الروايات والمسرحيات، ومع ذلك، يرى أن السينما وسيط أكثر ملائمة للروايات من الشاشة الصغيرة.

وقال الرفاعي في حديث لـ”الشرق”: “في الغالب لا تُنتج الأعمال الأدبية المتميّزة مسلسلات مهمة يتذكرها الجمهور، ويشيد بها النقّاد، ولعل روايَتَي “ردّ قلبي” ليوسف السباعي، و”في بيتنا رجل” لإحسان عبد القدوس، خير مثال على ذلك. وقد ظهرت الروايتان على الشاشة في فيلمين مميّزين، لكن المسلسلات التي اقتبست منهما جاءت ضعيفة جداً”.

أما الناقد الكويتي فهد الهندال، فيرى أن “الإبداعات الخالدة خدمت السينما والتلفزيون، فمن منّا لا يتذكر مثلاً “الأيام” لعميد الأدب العربي طه حسين، أو عمله الآخر “المعذبون في الأرض”، إضافة إلى أعمال أخرى لنجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وإحسان عبد القدوس، وآخرين، تم اقتباسها أو تحويلها إلى مسلسلات.

“تفوّق درامي”

من ناحية أخرى، أشارت الكاتبة السورية وجيهة عبد الرحمن إلى إمكانية تفوّق الدراما على النص المكتوب أحياناً، معتبرةً أن “التفوّق ممكن عندما يمتلك السيناريست حرية التصرّف بالنص، شريطة أن يظلّ ضمن الفكرة والمضمون”.

وقالت “لن تكون الأعمال ناجحة ومحبّبة، إذا تناولها السيناريست بحرفيتها، ومن دون رؤية بصرية مختلفة”.

ولفتت وجيهة عبد الرحمن خلال حديثها لـ”الشرق”، إلى أهمية تقديم تلك الرؤية المختلفة، والتي تسهم في مستوى تلك الأعمال، مشيرة إلى انتشار هذه الظاهرة في السينما والدراما الأجنبية، من “مرتفعات ويذرنج”  للكاتبة إيميلي برونتي، إلى رواية “العطر” للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، وعشرات غيرها.

وبشأن ميزة تقديم عمل أدبي على الشاشة رأى فهد الهندال أنه “كلما كان المسلسل نتاج كاتب أديب، وجدنا القيمة في رسالة العمل، والرقي في الحوار والالتزام المهني في رسم الأحداث والشخصيات، وفوق ذلك احترام عقلية وذائقة المشاهد. وهو ما نفتقده وسط بعض الأعمال السطحية، فيما تقدّمه وتنتجه من ثقافة استهلاكية، أثّرت سلباً على وعي المجتمع العربي”.

إمبراطورية ميم

من أشهر الأعمال التي تابعها الجمهور والمأخوذة من نص أدبي، مسلسل “إمبراطورية ميم”، للمخرج محمد سلامة، وهو عن قصة قصيرة شهيرة لإحسان عبد القدوس، لا تتجاوز 10 صفحات، فكيف ينتج منها دراما في 30 حلقة؟

يركز الأكاديمي العراقي أحمد حسين الظفيري، من بين كل مسلسلات رمضان بحكم تخصّصه في الأدب والنقد، على الأعمال المأخوذة من نصوص أدبية، لا سيما التي كتبها أدباء كبار، مثل نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس.

وبشأن انطباعاته عن “إمبراطورية ميم” قال الظفيري: “المعالجة مستوحاة من قصة لإحسان عبد القدوس، نشرها ضمن مجموعة قصصية بعنوان (بنت السلطان) صدرت للمرة الأولى عام 1965، ثم قدمتها فاتن حمامة في فيلم من إخراج حسين كمال عام 1972، وأخيراً حولها الكاتب محمد سليمان عبد المالك إلى مسلسل من بطولة خالد النبوي، الذي لفت انتباهي منذ عام 2022 في مسلسل (راجعين يا هوى) من تأليف أسامة أنور عكاشة وسيناريو محمد سليمان عبد المالك”.

وتابع “كانت خلاصة قصته حول أهمية العائلة وتماسكها، وفي هذا العام بمجرد الإعلان عن (إمبراطورية ميم)، تبادر إلى ذهني قضية العائلة وأهميتها بالنسبة إلى النبوي، إذ يحاول من خلال أعماله تسليط الضوء على تلك الرابطة المهمة بين أفراد الأسرة، فضلاً عن التذكير بمجموعة القيم والعادات، بعد أن نسيت بعض الأعمال أهمية الرسالة التي يقدمها الفن للمجتمع”.

وفي حديث لـ”الشرق”، رأى الظفيري أنه “بمقارنة أولية بين المسلسل والقصة الأصلية، نجد أن هناك توسعاً في الأحداث والشخصيات بطريقة معاصرة، وهو أمر حتمي في الدراما، لأن وقت المسلسل يحتاج إلى مساحة وأحداث تفوق كثيراً العمل السينمائي”.

غلاف الإصدار الجديد للمجموعة القصصية 'إمبراطورية ميم' التي صدرت عام 1965 للكاتب المصري الراحل إحسان عبد القدوس -
غلاف الإصدار الجديد للمجموعة القصصية ‘إمبراطورية ميم’ التي صدرت عام 1965 للكاتب المصري الراحل إحسان عبد القدوس –

بدوره، يتّفق نادر الرفاعي مع الظفيري في جودة “إمبراطورية ميم”، وتقديم رؤية عصرية، إذ بالنسبة له “استوعب كاتب السيناريو محمد سليمان عبد المالك فكرة القصة، وقدم لها معالجة مميزة بالتعاون مع المخرج محمد سلامة، الذي قدم صورة بصرية عصرية، استفاد خلالها من تطور شكل الصورة التلفزيونية لمدير التصوير محمد مختار، لكن ما يعيب المسلسل عدم فاعلية بعض حواراته الفكاهية، إذ لم تأت خفيفة الظل كما أراد صُناعه”.

الحشّاشين

المسلسل الثاني الأكثر إثارة للجدل كان “الحشّاشين”، من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج بيتر ميمي، واعتمد مؤلفه على مراجع ووقائع تاريخية، واتهمه البعض بأنه استفاد من روايات معروفة، تناولت شخصية حسن الصباح، مثل رواية “سمرقند” لأمين معلوف، ورواية “الموت” لفلاديمير بارتول.

ولعلّ أكثر قضية أشعلت الجدل في مواقع التواصل، تتعلق بالابتعاد عن اللغة العربية الفصحى، كما هو معتاد في الدراما التاريخية. لكن الناقد فهد الهندال، رحّب بتلك الخطوة لاستقطاب الجمهور، معتبراً أن “عرض المسلسل باللغة المحكية، يكسر رتابة الدراما التاريخية، ويجذب مشاهدة الجيل الجديد من الشباب، الذي سيعود قطعاً إلى التاريخ والروايات المكتوبة بالفصحى أساساً، وهذا ذكاء يُحسب للكاتب”.

تلاعب بالتاريخ؟

أزمة أخرى أثيرت حول الدراما الرمضانية تتعلق بمدى الدقة و”المصداقية التاريخية”، ومخالفة بعض الأعمال لوقائع متفق عليها.

وحول هذه المسألة، اعتبرت وجيهة عبد الرحمن أن “الدراما التاريخية للأسف باتت تُشوّش عقول المشاهدين بالتزييف الذي يعتريها، وإذا كان من حق السيناريست التصرف برواية اجتماعية أو بوليسية أو رومانسية، فإنه لا يمتلك الحق نفسه في التلاعب بالتاريخ والأحداث المعروفة، وخصوصاً إذا ما كانت الدراما تتناول شخصية تاريخية، كان لها الدور الفعال في حقبة زمنية معينة، كما هو الحال في (الحشّاشين)، الذي أثار الكثير من الجدل حوله”.

وتابعت “ظاهرة تزييف التاريخ موجودة بكثرة في الدراما التاريخية العربية والتركية، لأنهما تنتقيان من الأحداث ما يُعزّز المواقف البطولية، والتغني بالأمجاد والأجداد، وهذا بالتأكيد لا يصبُّ في مصلحة الدراما”.

من جانبه، لا يميل الظفيري إلى التقيّد بالوقائع وما ترويه كتب التاريخ، إذ قال إنه “بصورة عامة المعالجة الدرامية للأعمال الأدبية والتاريخية تضطر السيناريست والمخرج، إلى إضافة تفاصيل كثيرة، وربما يتفوق العمل الدرامي على الأدبي، لاسيما إذا جاءت معالجته برؤية وجودة مسلسل (الحشّاشين)”.

عتبات البهجة

ثالث الأعمال التي شاهدها الجمهور والمأخوذة عن نص أدبي، كان “عتبات البهجة”، وحمل توقّعات عالية بعودة الفنان القدير يحيى الفخراني، بعد غياب عامين إلى شاشة رمضان، ولا سيما أن المسلسل عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب إبراهيم عبد المجيد.

وتحفّظ نادر الرفاعي على مستوى المسلسل موضحاً أنه منذ بداية المشروع، كان على ثقة من عدم نجاحه، فرواية “عتبات البهجة” مناسبة أكثر للوسيط السينمائي، وليس الدراما التلفزيونية، وفق رأيه. كما أن “المخرج مجدي أبو عميرة، وإن قدّم أعمالاً مميّزة، لكنه توقف عند الرؤية البصرية لتسعينيات القرن الماضي، لذلك شاهدنا إيقاعا بطيئاً، وإرهاقاً في أداء الفخراني”.

رواية عتبات البهجة للكاتب والأديب المصري إبراهيم عبد المجيد
رواية عتبات البهجة للكاتب والأديب المصري إبراهيم عبد المجيد

 

وكذلك أشار فهد الهندال لأهمية اختيار الوسيط المناسب للقصة، متعجباً من “إصرار البعض على ألا يقل المسلسل عن 30 حلقة، لأنه يُعرض في رمضان، حتى لو كانت القصة لا تتضمن الشخصيات والأحداث الكافية”.

وفي حديثه لـ”الشرق”، أوضح الهندال أنه يحترم جداً الأعمال التي تُقدّم في 10 أو 15 حلقة، بما يضمن رؤية درامية متماسكة، بعيداً عن “الترهّل والوقوع في الهشاشة”، بحسب وصفه.

توجّهات الرقابة

بطبيعة الحال، لا يقتصر الجدل حول مدى ملاءمة الوسيط، ولا استعمال العامية والفصحى، ولا دقة الاقتباس، وإنما ثمة جانب آخر يتعلق بالرقابة، وتوجيه النص بطريقة، ربما تخالف مقاصد القصة.

وعن ذلك قالت وجيهة عبد الرحمن “في السنوات الأخيرة، أصبحت معظم الأعمال لا ترتقي إلى المستوى المطلوب لجهة الإخراج أو المضمون، لأن معظمها خاضع للرقابة، ولا يعرض إلا ما يتوافق مع رؤية الجهة الرقابية، وإن استطاع القليل منها الإفلات”.

مع ذلك، لا تبدو وجيهة عبد الرحمن متشائمة، إذ تؤكد على العلاقة التبادلية المفيدة للنص والشاشة.

وأضافت “لدينا تاريخ درامي مهم في مصر وسوريا والبلدان العربية، يسمح بالاهتمام أكثر بالأدب، وإبرام عقود بين مؤلفي الرواية وصنّاع الدراما، خصوصاً، أنها الوسيلة الأسرع لانتشار رواية ما، في مرحلة باتت القراءة ترفاً لفئة قليلة من الناس”.\

المصدر : الشرق

إغلاق